الآليات الة لحماية حقوق الإنساندولي


الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان*

الدكتور محمد أمين الميداني
رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ستراسبورغ، فرنسا

تقديم

إن الويلات التي شهدها العالم في أثناء الحرب العالمية الثانية، وما أُرتكب من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، قد دفعت بالمجتمع الدولي إلى الاهتمام بهذه الحقوق والحريات والعمل على تكريسها وحمايتها من خلال اعتماد مختلف الصكوك الخاصة بالحماية الدولية لحقوق الإنسان.

ومن أولى المنظمات الدولية التي اهتمت بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، نجد منظمة الأمم المتحدة. فديباجة ميثاق هذه المنظمة لعام 1945، تؤكد في فقرتها الثانية على إيمان شعوب الأمم المتحدة "بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدرة وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية". وتأتي الفقرة 3 من المادة الأولى من الميثاق لتوضح بأن أحد مقاصد هذه المنظمة هو "تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جمعيا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".

وتبين المادة الخامسة والخمسون من الميثاق، في فقرتها (ج) ما تعمل الأمم المتحدة على تحقيقه ألا وهو "أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا". وتنص المادة السادسة والخمسون على أن "يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا، منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة والخمسين".

وخطت الأمم المتحدة خطوة كبيرة إلى الإمام في سبيل الإقرار بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وذلك بإصدارها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 (1). وتتابعت الخطوات على هذا الدرب فكان أن اعتمدت الأمم المتحدة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في عام 1965، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان في عام 1966، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 1979، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في عام 1984، وآخر ما اعتمدته كانت اتفاقية حقوق الطفل في عام 1986.
إلا أن الإقرار بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتضمين مختلف الصكوك الدولية لأحكام خاصة بها، لا يكفي بحد ذاته لتحقيق حماية فعلية لها، بل لا بد من تنظيم آليات خاصة وإنشاء أجهزة مهمتها وضع هذه الحماية موضع التنفيذ.

* ألقيت هذه المحاضرة في الدورة التدريبية الثانية التي نظمها المعهد العربي لحقوق الإنسان بتونس في الشهر الخامس من عام 1991. ونشرت لاحقا كدراسة في مجلة (البحوث القانونية والاقتصادية)، مجلة دورية تصدرها كلية الحقوق ببني سويف، القاهرة، عدد يناير/كانون الأول-ويوليو/تموز 1994، ص 425-480. وقد تمت إضافة بعض الفقرات والتواريخ الحديثة للتواكب مع آخر التطورات الدولية.
وبحثنا هذا خاص بدراسة الآليات التي نظمتها الأمم المتحدة ووكالاتها وأجهزتها المتخصصة وكذلك الصكوك الدولية التي اعتمدتها والمتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية ووضعها موضع التنفيذ. وهو ينقسم بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة، إلى مبحثين:

المبحث الأول
أجهزة الأمم المتحدة والآليات الخاصة بحماية حقوق الإنسان

المطلب الأول
الأجهزة المتخصصة بتطبيق آليات حماية حقوق الإنسان

نص ميثاق الأمم المتحدة على إنشاء عدة أجهزة رئيسية للمنظمة، كما خول هذه الأجهزة بإنشاء أجهزة فرعية لها مهمتها في تعزيز حقوق الإنسان واحترامها (2). ونجد من بين هذه الأجهزة:
أولا
الجمعية العامة

وهي الهيئة السياسية الرئيسية في منظمة الأمم المتحدة.
1 - تأليفها
تتألف هذه الجمعية من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على قدم المساواة (3). وتجتمع في دورة عادية واحدة على الأقل سنويا، كما تجتمع في دورات خاصة واستثنائية بطلب من مجلس الأمن أو بطلب من أغلبية أعضائها.

2 - اختصاصاتها
للجمعية العامة للأمم المتحدة عدة اختصاصات في الشؤون السياسية والتنظيمية (4)، كما نص البند (ب) من الفقرة 1 من المادة الثالثة عشرة من الميثاق على أن تنشئ (تقدم) الجمعية دراسات وتشير بتوصيات بقصد "إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".
ويبين كل من الفصل التاسع من الميثاق وعنوانه: "في التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي"، والفصل العاشر الخاص بـ "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" مهام الجمعية ووظائفها واختصاصاتها الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان مثل: مناقشة تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ودراسة المقترحات التي تتقدم بها أجهزة الأمم المتحدة المختلفة. كما تحيل الجمعية العامة إلى لجنة الشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية المعروفة باسم اللجنة الثالثة، أو إلى اللجنة القانونية المعروفة باسم اللجنة السادسة معظم المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان. ولا ننسى بأن اللجنة الثالثة الآنفة الذكر هي التي ناقشت في صيغته النهائية وأوصت الجمعية العامة باعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ثانيا
المجلس الاقتصادي والاجتماعي

أفرد ميثاق الأمم المتحدة فصله التاسع للبحث في تأليف هذا المجلس، وتحديد دوره ومهامه في نطاق التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي لهذه المنظمة.

1 - تأليفه

يتألف المجلس الاقتصادي والاجتماعي من 54 عضوا تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة ثلاث سنوات من بين ممثلي الدول الأعضاء فيها(5). ويراعى في هذا الانتخاب التوزيع الجغرافي العادل بين هذه الدول. ويجتمع المجلس تطبيقا للمادة 72 من الميثاق، وكلما دعت الحاجة إلى ذلك وفقا للائحة التي يضعها. ويعقد المجلس دورتين عاديتين، على الأقل، في السنة، أولاهما في شهر نيسان/أبريل في نيويورك، والثانية في شهر تموز/يوليو في جنيف.

2 - اختصاصاته

نستطيع أن نصنف اختصاصات هذا المجلس في أربعة أقسام:

أ - ما نصت عليه كل من الفقرتين 1، 3 من المادة 62 من الميثاق، من إعداد المجلس لدراسات ووضعه لتقارير "عن المسائل الدولية في أمور الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم والصحة وما يتصل بها، كما أن له أن يوجه إلى مثل ذلك الدراسات، وغلى وضع مثل تلك التقارير، وله أن يقدم توصياته في أية مسألة من تلك المسائل إلى الجمعية العامة وإلى أعضاء الأمم المتحدة" وإلى الوكالات المتخصصة في ذلك الشأن. ويستطيع أن يعد "مشروعات اتفاقيات لتعرض على الجمعية العامة من المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصه".
ب - التقدم بتوصيات خاصة "بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها"، وهو ما أشارت إليه الفقرة 3 من المادة 62.
ج - ما نصت عليه المادة 63 من تعاون بين المجلس وأية وكالة من وكالات المنظمة المختصة لوضع اتفاقيات وعرضها على الجمعية العامة للموافقة عليها، ومن تنسيق يقوم به لأوجه نشاطات الوكالات المتخصصة بالتشاور معها وتقديم توصيات إليها وإلى الجمعية العامة وأعضاء الأمم المتحدة.
د - ما أشارت إليه المواد 64 و65 و66 (الفقرة 2) من دور المجلس بإمداد مختلف أجهزة المنظمة ووكالاتها المتخصصة بمعلومات تلزمها ومما يدخل في اختصاصه. وسمحت المادة 68 من الميثاق للمجلس بإنشاء "لجانا للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز حقوق الإنسان، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد تحتاج إليها لتأدية وظائفه". وقد أنشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدة لجان من بينها "لجنة المنظمات غير الحكومية" والتي تدرس طلبات هذه المنظمات وبخاصة تلك العاملة في نطاق حقوق الإنسان وذلك بهدف الحصول على الصفة الاستشارية لدى هذا المجلس. كما أنشئ عدة لجان أخرى.


ثالثا
لجنة حقوق الإنسان

أنشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراره رقم 5 (د-1)، تاريخ 16/2/1946، وبقراره رقم 9 (د-2) تاريخ 21/6/1946 لجنة حقوق الإنسان، وذلك تطبيقا للمادة 68 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة.

1 - تأليفها
تتألف اللجنة من 53 عضوا يختارهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمدة ثلاث سنوات كممثلين عن بلدانهم الأعضاء في الأمم المتحدة. ويراعى في هذا الاختيار التوزيع الجغرافي التالي: 11 عضوا من أمريكا اللاتينية والكاريبي، و10 أعضاء من أوروبا الغربية ودول أخرى، 15 عضوا من الدول الأفريقية، 12 عضوا من الدول الآسيوية والباسفيك، 5 أعضاء من أوروبا الشرقية.
وتجتمع لجنة حقوق الإنسان في دورة سنوية بمدينة جنيف في أوائل شهر شباط/فبراير، ولمدة ستة أسابيع، ويحضر اجتماعاتها عدد من المراقبين من الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة، وعدد من ممثلي الوكالات المتخصصة وحركات التحرير والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، ويشارك المراقبون والممثلون في مناقشة بنود أعمال اللجنة، كما أنهم يقدموا بيانات شفوية ومكتوبة، ولكن لا يحق لهم المشاركة بالتصويت (6).
2 - اختصاصها
تعّد لجنة حقوق الإنسان الهيئة الرئيسية في منظمة الأمم المتحدة التي تعالج مسائل حقوق الإنسان وتعمل على تشجيعها وتعزيزها وحمايتها. وتقوم لهذا الهدف بإعداد الدراسات والتوصيات ومشاريع الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
كما أنها تؤدي ما تكلفها به الجمعية العامة أو ما يطلبه منها المجلس الاقتصادي والاجتماعي من مهام تتعلق بالتحقيقات بالادعاءات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والنظر في الرسائل الخاصة بها.

كما أنشأت اللجنة عدة فرقاء عمل للقيام بمهام التحقيق، منها:

1. فريق الخبراء العامل المخصص لحقوق الإنسان في الجنوب الإفريقي. وقد أنشأته اللجنة في عام 1967.
2. الفريق العامل المكلف بدراسة الحالات التي يبدو أنها تكشف عن نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد اعتادت اللجنة أن تنشئ هذا الفريق في كل دورة منذ عام 1974.
3. الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي الذي أنشأته اللجنة في عام 1980.
4. الفريق العامل المكلف بمواصلة التحليل الشامل بشأن زيادة حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيزها وتشجيعها، والذي أنشأته اللجنة في عام 1980.
5. فريق الخبراء الحكوميين العامل المعني بالحق في التنمية.

رابعا
اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات

أنشأت لجنة حقوق الإنسان، وبالتطبيق لقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 9 (د-2)، تاريخ 21/6/1949، اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات.
1 - تأليفها
تتألف هذه اللجنة من 26 عضوا تنتخبهم لجنة حقوق الإنسان، ولمدة أربع سنوات، من بين الخبراء المرشحين من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويمكن إعادة انتخابهم. ويراعى في هذا الانتخاب التوزيع الجغرافي التالي: 6 أعضاء من الدول الأفريقية، 6 أعضاء من الدول الآسيوية، 6 أعضاء من مجموعة دول أوروبا الغربية ودول أخرى، 5 أعضاء من دول أمريكا اللاتينية، 3 أعضاء من دول أوروبا الشرقية.
وتكمن أهمية عمل هؤلاء الأعضاء في أنهم يمارسون مهامهم بصفتهم الشخصية كخبراء وليس كممثلين عن حكوماتهم، مما سمح بالنظر إلى هذه اللجنة كهيئة مستقلة وليس كهيئة سياسية كما هو الحال بالنسبة للجنة حقوق الإنسان (7).
وقرر المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن تعقد اللجنة الفرعية اجتماعاتها مرة واحدة على الأقل، ولمدة ثلاثة أسابيع. واعتدت هذه اللجنة أن تجتمع في جنيف، ويحضر اجتماعاتها، بالإضافة إلى أعضائها، عدد من المراقبين عن الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة، وعدد من الممثلين عن الوكالات المتخصصة، وعن حركات التحرير، وكذلك عدد من المراقبين عن المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية ذات الصفة الاستشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويحق للمراقبين أن يشاركوا في مناقشة بنود جدول أعمال اللجنة ولكن لا يحق لهم التصويت.
2 - اختصاصاتها
حددت لجنة حقوق الإنسان المهام الملقاة على عاتق اللجنة الفرعية، وهي:
أ - تحضير الدراسات على ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتقديم توصيات إلى لجنة حقوق الإنسان فيما يتعلق بمنع التمييز، أيا كان نوعه، وبما يتعلق بحقوق الإنسان وحريات الأساسية وحماية الأقليات العنصرية والوطنية والدينية واللغوية.
ب - القيام بوظائف أخرى قد يكلفها بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو لجنة حقوق الإنسان. ونذكر من بين هذا الوظائف مشركة اللجنة بإعداد صكوك دولية خاصة بحقوق الإنسان، وتقييم الاقتراحات والتوصيات المتعلقة بهذه الحقوق والتي تضمنها تقريرها السنوي الذي يرفع إلى لجنة حقوق الإنسان.
ويرتبط باللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات عدة فرقاء عمل من مختلف الاختصاصات، نذكر منها:
1 - الفريق العامل المعني بالرسائل والذي أنشأته اللجنة الفرعية عام 1971.
2 - الفريق العامل المعني بالرق والذي أنشأته اللجنة الفرعية عام 1974.
3 - الفريق العامل المعني بالسكان الأصليين والذي أنشأته اللجنة الفرعية عام 1983.

خامسا
لجنة مركز المرأة

أنشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراره 11 (د - 2)، تاريخ 21/6/1946، لجنة مركز المرأة.
1 - تأليفها
تتألف اللجنة من 32 عضوا ينتخبهم المجلس المذكور، لمدة أربع سنوات، كممثلين عن بلدانهم وليس بصفتهم الشخصية. ويراعى في هذا الانتخاب التوزيع الجغرافي العادل بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كما هو الحال بالنسبة للجنة حقوق الإنسان. وتجتمع لجنة مركز المرأة مرة كل عامين. وكانت اجتماعاتها تتم أما في نيويورك أو في جنيف، إلا أن اجتماعاتها أصبحت تعقد اعتبارا من عام 1980 في مدينة فينا.
ويحضر دورات اللجنة أعضاء وممثلون ومراقبون عن الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة، ومختلف هيئاتها ووكالاتها المتخصصة. كما يحضرها من دون حق التصويت، ممثلون ومراقبون عن حركات التحرير والمنظمات الحكومية وغير الحكومية. واهتمت لجنة مركز المرأة بتوثيق التعاون بينها وبين لجان أخرى تابعة لمنظمات دولية وإقليمية مثل لجنة المرأة العربية التابعة لجامعة الدلو العربية، والمنظمة الإفريقية للمرأة.


2 - اختصاصاتها
أما المهام التي تضطلع بها اللجنة، فتتمثل بإعداد تقارير تعرض على المجلس الاقتصادي والاجتماعي خاصة بتعزيز حقوق المرأة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. وتقدم اللجنة أيضا إلى المجلس توصيات خاصة بالمشكلات المتعلقة بإلغاء التمييز بين المرأة والرجل في مختلف الميادين. وترفق توصياتها هذه بمقترحات تهدف إلى تنفيذ التوصيات، كما تشارك اللجنة بإعداد البرامج والصكوك الدولية.
وسمح المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجنة في أوائل عام 1980، بدراسة الرسائل التي تصلها والخاصة بأوضاع التمييز ضد المرأة والاعتداء على حقوقها (8). ويوجد فريق عمل مهمته النظر في هذه الرسائل وتحليلها. وكان المجلس قد قرر في عام1987 توسيع اختصاصات اللجنة لتشمل تنفيذ أهداف المساواة والتنمية والسلم وتعزيزها، بالإضافة إلى كل ماله علاقة بتحسين أوضاع المرأة والنهوض بها.

المطلب الثاني
الآليات الخاصة بالشكاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان

نستطيع القول بأنه بعد مرور ربع قرن على إنشاء منظمة الأمم المتحدة، لم يكن هناك أية آلية تسمح بالنظر في الشكاوى الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
لا شك بأن اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قد بعث آمالا جديدة في النفوس وتطلعات مشرقة لمستقبل أفضل إلا أن أحكام هذا الإعلان لم تكن موضع أية مراقبة من طرف أي جهاز من أجهزة الأمم المتحدة يسهر على احترام مختلف مواده وتطبيقها. وجاء اعتماد العهدين الدوليين لحقوق الإنسان كخطوة جديدة للسهر على هذه الحقوق وحمايتها. ولكن - كما ذكرنا - لم يكن هناك حتى نهاية الستينيات من هذا القرن أية آلية خاصة بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، هذا إذا استثنينا - بالطبع - ما نص عليه دستور منظمة العمل الدولية - وهذا ما سنراه لاحقا - وحتى هذه الفترة لم يكن أي من العهدين الدوليين قد دخل حيز التنفيذ. أضف إلى ذلك، الشكاوى الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تتدفق على الأمانة العامة للأمم المتحدة ولا يملك أي جهاز من أجهزتها صلاحية النظر فيها أو دراستها.
وكان أن اعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي القرار رقم 1235 تاريخ 6/6/1967، الذي سمح لكل من لجنة حقوق الإنسان، واللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات بالنظر في المعلومات الخاصة بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية مثل سياسة الفصل العنصري التي تمارسها جمهورية جنوب إفريقيا، والتمييز العنصري الذي تتم ممارسته في جنوب روديسيا. على أن القرار الأهم للمجلس هو قراره رقم 1503، تاريخ 27/5/1970 (9)، كما شكلت لجنة حقوق الإنسان، من جهة ثانية، عدة لجان وفرقاء عمل، وعينت عدة مقررين خاصين وكلفتهم بالنظر في الشكاوى الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان.

أولا
قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 1503، تاريخ 27/5/1970

سمح هذا القرار للجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات بتأليف فريق عمل من خمسة أفراد على الأكثر، يتم اختيارهم من بين أعضائها، مع مراعاة التوزيع الجغرافي العادل، وحددت اجتماعات هذا الفريق في جلسات سرية، ولمرة واحدة في العام، بحيث لا تتجاوز مدتها عشرة أيام، وذلك قبل عقد هذه اللجنة الفرعية لاجتماعاتها الدورية.
وحدد القرار، في مادته الأولى مهمة فريق العمل والذي كُلف بالنظر في الشكاوى التي تصل إلى الأمين العام للأمم المتحدة والخاصة بانتهاكات جسيمة ومستمرة بنمط ثابت لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية والتي تدخل في صلاحيات اللجنة الفرعية، مع لفت نظر هذه اللجنة إلى هذه الشكاوى وغلى ردود الدول الخاصة بها.
كما قامت اللجنة الفرعية، تطبيقا للمادة الثانية من هذا القرار، وبتاريخ 13/8/1971، بوضع التدابير المناسبة لتحديد شروط الشكاوى وقبولها.
وتنقسم مراحل دراسة الشكاوى المقدمة بالتطبيق لهذا القرار إلى مرحلتين أساسيتين:

1 - أمام اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات
تنقسم المراحل إلى:

أ - يبدأ فريق العمل الذي شكلته هذه اللجنة الفرعية بدراسة الشكاوى الخاصة بانتهاكات جسيمة ومستمرة بنمط ثابت لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المقدمة من وإلى الأمين العام، وردود الدول عليها، ويقرر هذا الفريق بأغلبية أعضائه نقل ما يرى أنه قابل للدراسة إلى اللجنة الفرعية.
ب - تقوم اللجنة الفرعية بعد ذلك بدراسة هذه الشكاوى، وأية معلومات أخرى لها علاقة بها، وتحدد ما يجب تقديمه إلى لجنة حقوق الإنسان، وتدعو الدول المعنية بهذه الشكاوى إلى تقديم تعليقاتها الخاصة.

2 - أمام لجنة حقوق الإنسان:

تنقسم المراحل إلى:

أ - كلف القرار 1503 في مادته السابعة لجنة حقوق الإنسان بتأليف فريق عمل مهمته القيام بتحقيقات خاصة بهذه الشكاوى بعد الحصول على موافقة الدول المعنية بهذا الخصوص، ويقوم هذا الفريق بتحقيقاته، وبالاستماع إلى الشهود فيما يخص هذه الشكاوى، وذلك بالتعاون مع الدول المعنية، ويسعى هذا الفريق، من جهة ثانية، إلى التوصل إلى تسوية ودية قبل وفي أثناء إجراء التحقيق وبعده أيضا، وتنتهي مهمة هذا الفريق بتقديم تقريره إلى لجنة حقوق الإنسان مع ملاحظاته والاقتراحات التي يراها مناسبة.
ب - ويأتي دور لجنة حقوق الإنسان بعد ذلك لبحث ما يستدعي دراسته من الشكاوى وذلك بحضور ممثلي الحكومة المعنية ومقرر فريق العمل، وتقوم هذه اللجنة أخيرا بتقديم توصياتها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أو تقوم بإحالة الشكوى إلى لجنة خاصة تتألف من أفراد مستقلين لتحقق بشأنها وذلك بعد الحصول على موافقة الدولة المعنية بذلك.
ويجب التنبيه إلى أن تنفيذ كل هذه المراحل، سواء أمام اللجنة الفرعية أو أمام لجنة حقوق الإنسان، تبقى سرية إلى أن تقرر هذه اللجنة الأخيرة تقديم توصياتها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي وإلى الدولة التي تمت دراسة الشكاوى ضدها تطبيقا للقرار 1503.
واعتاد رئيس لجنة حقوق الإنسان، بدءا من عام 1978، أن يعلن أسماء الدلو التي تمت دراسة الشكاوى المقدمة ضدها بالتطبيق للقرار 153، بالإضافة إلى المراحل التي أتينا على ذكرها، هناك ما نص عليه القرار المذكور من إجراءات شكلية يجب أخذها بعين الاعتبار وتطبيقها (10)، وهي:
1. يجب ألا تتعارض هذه الشكاوى مع ما نصت عليه الصكوك الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان.
2. يجب أن تتعلق هذه الشكاوى بانتهاكات جسيمة ومستمرة بنمط ثابت لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
3. يجب أن تتضمن هذه الشكاوى وصفا للوقائع الخاصة بهذه الانتهاكات، وأن لا تكون معتمدة على ما سبق أن نشرته أو عرضته وسائل الإعلام المختلفة، وأن لا يكون وراؤها أو أن يقصد بها أية دوافع سياسية.
4. يجب أن يتم استفاد جميع طرق الطعن الداخلية قبل تقديم هذه الشكاوى، وأن لا تتعلق بشكاوى قيد النظر من طرف منظمة الأمم المتحدة أو وكالاتها المتخصصة، أو أية منظمة إقليمية أخرى ترغب دولة ما بعرضها على أحد أجهزتها أو هيئاتها بالتطبيق لأية اتفاقية دولية، أو أية اتفاقية إقليمية أخرى.
5. يسمح هذا القرار-ولعل هذا الإجراء هو من أهم الإجراءات في نظرنا-لشخص أو لمجموعة من الأشخاص يفترض أنهم ضحايا انتهاكات جسيمة ومستمرة بمنط ثابت لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية بتقديم شكاوى خاصة بهذه الانتهاكات. كما يسمح هذا القرار لشخص أو لمجموعة من الأشخاص تتوافر عندهم معرفة مباشرة وأكيدة بمثل هذه الانتهاكات بتقديم الشكاوى الخاصة بها.
6. يجب أن يصرح مقدم الشكوى بهويته، ولا تقبل الشكاوى مجهولة المصدر، وذلك تفاديا لأية دوافع غير تلك الهادفة لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

ثانيا
الآليات المعتمدة لدى اللجان وفرقاء العمل والمقررين الخاصين

شكلت لجنة حقوق الإنسان عدة لجان وفرقاء عمل، وكلفت عدة مقررين خاصين بالنظر في الشكاوى الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان، نذكر منهم:

1 - اللجنة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة:-
أنشأت لجنة حقوق الإنسان في عام 1969 هذه اللجنة بقصد التحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة (11). وطلبت لجنة حقوق الإنسان من السلطات الإسرائيلية التعاون مع هذه اللجنة الخاصة والسماح لها بالقيام بتحرياتها داخل الأراضي العربية المحتلة. ولكن الحكومة الإسرائيلية رفضت هذا الطلب، مما دفع باللجنة الخاصة إلى التنقل بين بيروت والقاهرة ودمشق وعمان وجنيف، في خلال عامي 1970 و1971 بهدف الاستماع إلى الشهود فيما يخص هذه الانتهاكات. كما شرعت اللجنة، إزاء تعند السلطات الإسرائيلية ورفضها المستمر للسماح لأشخاص من الأراضي المحتلة بالمثول أمامها، بالاعتماد على ما يصدر من أنباء ومعلومات في الصحافة الإسرائيلية والصحافة العالمية، وما ينشر فيها وذلك للإطلاع على أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. وشجبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 37/88 جيم تاريخ 10/12/1982، رفض السلطات الإسرائيلية السماح للأفراد من الأراضي المحتلة بالإدلاء بشهاداتهم أمام هذه اللجنة الخاصة.

2 - الفريق العامل المخصص المعني بحالة حقوق الإنسان في شيلي
دفعت انتهاكات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي مارسها النظام العسكري منذ انقلابه في شيلي في 11/9/1973، لجن حقوق الإنسان إلى اعتماد قرارها 8 (د - 31) تاريخ 27/2/1975، والقاضي بتكوين فريق عمل يتألف من خمسة أعضائها يعينهم رئيس اللجنة بصفتهم الشخصية ويعملون تحت رئاسته.

وكانت مهمة هذا الفريق استقصاء أوضاع حقوق الإنسان في شيلي "على أساس القرارات ذات الصلة للجنة والمجلس الاقتصادي والجمعية العامة، وأن يقوم الفريق بزيارة شيلي". وقد نجح الفريق بعد عدة محاولات بزيارة سانتياغو عاصمة شيلي في 12/7/1978,. واستمع الفريق المؤلف من ثلاثة أعضاء، في أثناء هذه الزيارة، إلى شهادات أقارب المفقودين والمعتقلين في السجون الشيلية. وعقد جلسات مع عدة وزراء وموظفين وقضاة المحكمة العليا. كما تلقى معلومات من ممثلين عن مختلف المنظمات الدولية العاملة في شيلي. كما تلقى عدة وثائق وقوائم بأسماء الأشخاص المعتقلين وتقارير عن الأشخاص المفقودين. ونظرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والثلاثين عام 1978 في التقرير الذي قدمه الفريق، ورحبت بنجاح مهمته وموضوعيه تقريره ودقته، ولفتت نظر لجنة حقوق الإنسان لأهمية تجربة هذا الفريق وما يجب أن يقوم به مستقبلا فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان.

3 - المقرر الخاص لحالات الإعدام بدون محاكمة أو الإعدام التعسفي
عينت لجنة حقوق الإنسان، في عام 1980، هذا المقرر الخاص بقصد تقصي المعلومات الخاصة بحالات الإعدام بدون محاكمة أو الإعدام التعسفي. ويقوم هذا المقرر بجمع معلوماته هذه من الحكومات والوكالات المتخصصة والمنظمات غير الحكومية وغير الحكومية. كما يبعث برسائل إلى الحكومات خاصة بالادعاءات المتعلقة بهذه الحالات، ويرسل أيضا ببرقيات إلى الحكومات التي لا ترد على رسائله لحثها على الرد عليها. ويسعى المقرر من خلال اتصالاته بممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لزيارة بعض البلدان التي تشملها مثل هذه الادعاءات. ويرفع المقرر إلى لجنة حقوق الإنسان تقريرا سنويا خاصا بحالات الإعدام بدون محاكمة وبالنشاطات التي قام بها وبالتوصيات التي يراها مناسبة.

المبحث الثاني
تطبيق الآليات الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان

المطلب الأول
آليات الصكوك الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان والمنشأة لأجهزة مكلفة بتطبيقها

سنتطرق، في هذا المطلب الأول، لدراسة آليات تسعة صكوك دولية خاصة بحماية حقوق الإنسان، وسنتعرف على الدول العربية التي صادقت عليها، ولكن من دون التطرق إلى مضمون هذه الصكوك أو إلى أحكامها.
أولا
الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الاتفاقية في 21/12/1965، ودخلت حيز التنفيذ في 4/1/1969 (12).
أما الدول العربية التي صادقت على هذه الاتفاقية حتى تاريخ 31/5/2004، فهي: الأردن، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، تونس، الجزائر، السودان، سورية، الصومال، العراق، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، مصر، المغرب، المملكة العربية السعودية، موريتانيا، واليمن.
كرست هذه الاتفاقية الدولية جزئها الثانـي للبحث في آلية خاصة لاحترام الدول الأطراف فيها لإحكامها، وأنشأت لهذا الغرض، لجنة تسمى "لجنة القضاء على التمييز العنصري".

1 - تأليف لجنة القضاء على التمييز العنصري
تتألف هذه اللجنة، وتطبيقا للمادة 8 من الاتفاقية، من 18 خبيرا يتم اختيارهم، لمدة أربع سنوات، بصفتهم الشخصية من بين مواطني الدول الأطراف في الاتفاقية. ويجب أن يكون هؤلاء الخبراء، تبعا للفقرة 1 من المادة 8 "من ذوي الخصال الخلقية الرفيعة المشهود لهم بالتجرد والنزاهة". كما يراعى في انتخابهم قاعدة التوزيع الجغرافي العادل والتي تسمح بتمثيل مختلف الأنظمة القانونية والألوان الحضارية.

2 - اختصاصات لجنة القضاء على التمييز العنصري
حددت المواد من 9 إلى 14 من الاتفاقية هذه الاختصاصات، وهي:

أ - النظر في التقارير التي تقدمها الدول الأطراف "عن التدابير التشريعية أو القضائية أو الإدارية أو التدابير الأخرى التي اتخذتها والتي تمثل إعمالا لأحكام هذه الاتفاقية" (المادة 9، الفقرة 1).
ويجب أن تقدم الدول الأطراف هذه التقارير في غضون سنة من بدء نفاذ الاتفاقية، وعلى هذه الدول أن تقدم بعد ذلك تقريرا مرة كل سنتين عن هذه التدابير كلما طلبت منها ذلك اللجنـة. وتقوم اللجنـة من جهتها بدراسة هذه التقارير وتطلب المزيد من المعلومات إذا ارتأت ضرورة. وتقدم اللجنة بعدها تقريرا سنويا عن أعمالها، يتضمن اقتراحات وتوصيات عامة، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بواسطة الأمين العام (المادة 9، الفقرة 2).

ب - ما كلفتها به المادة 11 من إحالة رسالة لفـت نظر وصلتها من دولة طرف ترى أن دولة طرف أخرى لا تطبق أحكام الاتفاقية. ويجب أن تقوم هذه الدولة الأخيرة بموافاة اللجنة كتابيا، وفي غضون ثلاثة أشهر، بكل البيانات والإيضاحات الخاصة بالمسألة موضوع الخلاف.
ويقوم رئيس اللجنـة، إذا تعذر الوصول إلى تسوية مرضية بين الدولتين، بتعيين "هيئة توفيق خاصة" بعد مشاورات يجريها مع الدولتين المعنيتين. وتنظر هذه الهيئة في المسألة موضوع الخلاف وتعّد تقريرا عنها ترفعه إلى رئيس اللجنة يتضمن "النتائج التي توصلت إليها بشأن جميع المسائل الوقائعية المتصـلة بالنزاع بين الطرفين، ويضم التوصيات التي يراها ملائمـة لحل النزاع حلا وديا" (المادة 13، الفقرة 1). ويحيل رئيس اللجنة إلى كل من الدولتين المعنيتين، واللتين تبلغاه في غضون ثلاثة أشهر، بقبولهما أو عدم قبولهما بتوصيات التقرير. ويقوم رئيس اللجنة بدوره بإعلام بقية الأطراف في الاتفاقية بتقرير الهيئة وبأجوبة كل من الدولتين المعنيتين.

ج - سمحت الفقرة 1 من المادة 14 للجنة بـ "استلام ودراسة المسائل المقدمة من الأفراد أو من جماعات الأفراد الداخلين في ولاية هذه الدولة الطرف والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية". واشترطت الفقرة 9 من هذه المادة موافقة 10 دول عليها حتى تبدأ اللجنة باستلام مثل هذه الرسائل ودراستها. ودخلت المادة 14 حيز التنفيذ في 3/12/1982، ولم يوافق على هذه المادة، حتى 31/5/2004، إلا دولة عربية واحدة وهي الجزائر.

أما المراحل المتعلقة بتطبيق المـادة 14 فهي:

1. يجب أن يبلغ المشتكي اللجنة بشكواه في غضون ستة أشهر من تاريخ إخفاقه في الحصول على طلبه من الجهاز الوطني الذي تؤسسه الدولة الطرف التي وافقت على هذه المادة. ويكون هذا الجهاز مختصا، تطبيقا للفقرة 2 من المادة 14 "باستلام ونظر الالتماسات المقدمة من الأفراد وجماعات الأفراد الداخلين في ولايتها والذين يدعون أنهم ضحايا انتهاك لأي من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية ويكونون قد استنفدوا طرق التظلم المحلية المتوفرة الأخرى".
2. تلفت اللجنة، وبشكل سري، نظر الدولة الطرف المشتكى من انتهاكها لأحكام الاتفاقية إلى الشكوى المقدمة ضدها ولكن من دون الإفصاح عن هوية المشتكي.
3. توافي الدولة المعنية، في غضون ثلاثة أشهر، اللجنة بكل الإيضاحات والبيانات الخاصة بموضوع الشكوى، مع ما يمكن أن تكون قد اتخذته من تدابير في هذا الخصوص.
4. تقوم اللجنة أخيرا، بالنظر في الشكوى أو الشكاوى بالاعتماد على ما بحوزتها من بيانات ومعلومات وذلك بعد التأكد من أن المشتكي قد استنفد كل طرق الطعن الداخلية، وتوافي المشتكي والدولة المشتكى منها باقتراحاتها وتوصياتها، وتضمن تقريرها السنوي عرضا موجزا للمسائل التي عرضت عليها تطبيقا للمادة 14، وما تقدمت به من مقترحات وتوصيات.

ثانيا
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في 16/12/1966، ودخل حيز التنفيذ في 3/1/1976 (13).

أما الدول العربية التي صادقت على هذا العهد، حتى تاريخ 31/5/2004: فهي: الأردن، تونـس، الجزائر، السودان، سـورية، الصومال، العراق، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، مصر واليمن.
ألزم الجزء الرابع من العهـد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدول الأطراف فيه، وتطبيقا للفقرة 1 من المادة 16، بتقديم "تقارير عن التدابير التي تكون قد اتخذتها وعن التقدم المحرز على طريق ضمان احترام الحقوق المعترف بها في هذا العهـد". ونصت الفقرة 2 من نفس المادة على وجوب توجيه هذه التقارير إلى "الأمين العام للأمـم المتحدة الذي يحيل نسخا منها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي".
وأوضحت المادة 17 من العهـد بأن تقديم التقارير يتم على مراحل وذلك في غضـون سنة من بدء نفاد هذا العهد. ويضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد التشاور مع الدول الأطراف والوكالات المتخصصة، برنامجا خاصا في هذا الخصوص.
وأوكلت المادة 19 إلى المجلس المذكور مهمة تحويل هذه التقارير إلى لجنة حقوق لدراستها ووضع توصية عامـة بشأنها.
ونلاحظ بهذا الشكل بأن العهـد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيـة لم يؤسس أية هيئة خاصة لدارسة تقارير الدول الأطراف فيه، بل عهد إلى جهاز من أجهزة الأمم المتحدة ألا وهو لجنة حقوق الإنسان بمهمة دراسة التقارير.
ولكن قرر المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عام 1978، تشكيل مجموعة عمل مؤلفـة من 15 دولة طرف في العهـد وذلك لمساعدته في دراسة تقارير هذه الدول الأطراف. ويبدو أن المجموعة قد واجهت عدة صعوبات مما حدا بالمجلس إلى اتخاذ قراره رقم 17/1985، تاريخ 28/5/1985، والخاص بإنشاء "اللجنة المعنية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية".
ولا يخفى بأن قرار المجلس والخاص بإنشاء هذه اللجنة هو قرار هام بلا أدنى شك، لأن عدم وجود مواد تنص على إنشاء مثل هذه اللجنة منذ البداية وفي صلب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كان يشـكل، برأينا، ثغرة في نظام الآليات الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان، ولو أننا نستطيع أن نتفهم الأسباب التي منعت الخبراء الذين قاموا بصياغة هذا العهد من تخصيص مواد تنص على إنشاء مثل هذه اللجنة وذلك في عام 1966 عام اعتمـاد العهد، وهي أسباب لا داعي لتفصيلها ونكتفي بالإشارة إلى مواقـف مختلف بلدان العالم الثالث التي كانت تحتج بأن وضع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية موضع التنفيذ، هو أصعب من تطبيق الحقوق المدنية والسياسية، وذلك بسبب الأحوال الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لهذه البلدان. ولعل انقضاء قرابة عقدين من الزمن قد سمح أخيرا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بإنشاء هذه اللجنة.

أولا
تأليف اللجنة المعنية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

تتألف هذه اللجنة من 18 خبيرا يتم اختيارهم، لمدة أربع سنوات، بصفتهم الشخصية من بين مواطني الدول الأطراف في العهد ويجب أن يتحلوا بالمناقب الخلقية الرفيعة وأن يكونوا من المشهود لهم بالاختصاص في ميدان حقوق الإنسان، كما يجب مراعاة التوزيع العادل، وكانت أولى اجتماعات اللجنـة في مدينة جنيف بين 9 إلى 27/3/1987.



ثانيا
اختصاصات اللجنة المعنية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

تتلقى هذه اللجنة تقارير الدول الأطراف التي نصت عليها كل من المادتين 16 و17 من العهد، وتقوم اللجنة بدراسة هذه التقارير والطلب من الدول الأطراف بتزويدها بالمزيد من المعلومات إذا احتاجت لذلك، وتقوم أيضا بتقديم تقريرا يتضمن اقتراحاتها وتوصياتها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
ومن الملاحظ بأن هذه اللجنة لا تنظر في أية شكوى فردية أو شكوى مقدمة من مجموعة من الأفراد. فالعهـد لا يسمح بذلك، ولكن يوجد حاليا مشروع بروتوكول خاص ملحق به يسمح بتقديم مثل هذه الشكاوى الفردية، وهذا ما يعدّ في نظرنا ثغرة يجب تلافيها مستقبلا*.

ثالثا
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

اعتمدت الجمعية العامة للأمم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 16/12/1966، ودخل حيز التنفيذ في 23/3/1976.
أما الدول العربية التي صادقت على هذا العهد حتى 1/1/2005، فهي: حتى تاريخ 31/5/2004: فهي: الأردن، تونـس، الجزائر، السودان، سـورية، الصومال، العراق، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، مصر واليمن.
عالج الجزء الرابع من هذا العهـد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الآلية الخاصة بتطبيق أحكامه، وأنشأ لهذا الغرض لجنة تسمى "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان.

1 - تأليف اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
تتألف هذه اللجنة تطبيقا للمادة 28 من العهـد، من 18 خبيرا يتم اختيارهم، لمدة أربع سنوات، بصفتهم الشخصية من بين مواطني الدول الأطراف في العهد. ويجب أن يكونوا "من ذوي المناقب الخلقية الرفيعة المشهود لهم بالاختصاص في ميدان حقوق الإنسان"، ومن الأشخاص الذين لهم خبرات قانونيـة. وأوضحت الفقرة 2 من المادة 31 ضرورة مراعاة التوزيع الجغرافي مما يسمح بتمثيل مختلف الاتجاهات الفكرية والقانونية والحضارية للدول الأطراف في هذا العهد.

2 - اختصاصات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
ينقسم وضع أحكام هذا العهد موضع التنفيذ إلى قسمين:

________________
* وتعكف اللجنة المعنية بشأن الحقوق الاقتصادي والاجتماعية، ومنذ دورتها الخامسة، على إعداد هذا البروتوكول الاختياري.

1) ما نصت المادة 40 من العهد على تعهـد الدول الأطراف بتقديم، في غضون سنة من بدء نفاذه، وكلما طلبت منها اللجنة ذلك، تقارير عن التدابير التي تكون قد اتخذتها والتي تمثل تطبيقا لهذه الحقوق وما تم إحرازه من التمتع بها وممارستها.
2) ما نصت المادة 41 من العهد على اختصاص اللجنة "في استلام ودراسة بلاغات تنطوي على ادعاء دولة طرف بأن دولة طرفا أخرى لا تفي بالالتزامات التي يرتبها هذا العهد"، ولكن لا يجوز تقديم هذه البلاغات إلا إذا وافقت كل من هاتين الدولتين على هذا الاختصاص، كما لا يجوز استلام مثل هذه البلاغات ودراستها إلا إذا أعلنت عشرة دول أطراف في العهد موافقتها على ذلك. ودخلت هذه المادة حيز التنفيذ في 28/3/1997، ولكن لم توافق عليها، حتى تاريخ 31/5/2004 إلا دولتين عربيتين وهما: تونـس والجزائر.
وتمر مرحلة دراسة الشكوى المقدمة إلى اللجنة، بالتطبيق للمادة 41، بعده مراحل، وهي:
1) تستدعي دولة طرف نظر دولة طرف أخرى، وذلك عبر بلاغ خطي، لتخلفها عن تطبيق أحكام العهد. وعلى الدولة الأخيرة أن ترد، في غضون ثلاثة أشهر من استلامها لهذا البلاغ، بتقديم تفسير أو أي بيان خاص بالمسألة موضوع الخلاف.
2) إذا لم يتم التوصل إلى تسوية ودية بين الدولتين خاصة بهذه المسألة، يحق لأي منها أن تحيلها، في غضون ستة أشهر من تاريخ استلام الدولة للبلاغ الأول، إلى اللجنة المعنية.
3) تعقد اللجنة المعنية جلسات سرية لبحث ما وصلها من رسائل في هذا الخصوص، وذلك بعد التأكد من أن طرق الطعن الداخلية قد اسـتنفدت طبقا لمبادئ القانون الدولي المعترف بها عموما.
4) تعرض اللجنة المعنية مساعيها الحميدة على الدولتين المعنيتين بغرض "الوصول إلى حل ودي للمسألة على أساس احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها في هذا العهد" (المادة 14، الفقرة 1، هـ).
5) تقدم اللجنة المعنية تقريرا في غضون سنة من تاريخ تلقيها للشكوى موضـوع الخلاف. ويتضمن هذا التقرير إما عرضا موجزا للوقائع وللحل الذي تم التوصل إليه في حال إيجاد تسوية ودية بين الدولتين. وأما إذا لم يتم التوصل إلى هذا الحل، فيتضمن التقرير عرضا موجزا للوقائع وما استلمته اللجنة من مذكرات خطية من طرف الدولتين، ومحضرا عن البيانات الشفوية المقدمـة من قبلها.
6) تقوم اللجنة المعنية، بعد موافقة الدولتين المعنيتين، بتعين هيئة توفيق خاصة بالمسألة موضوع الخلاف. وتقدم الهيئة، في غضون مهلة لا تتجاوز سنة من تاريخ عرض المسألة عليها، تقريرا إلى رئيس اللجنة يتم إبلاغه للدولتين المعنيتين.
7) ويضم هذا التقرير عرضا موجزا للوقائع وللحل الودي الذي تم التوصل إليه. أما إذا لم يتم التوصل إلى هذا الحل، فيضم التقرير آراء الهيئة فيما يخص الوصول إلى هذا الحل وما استلمته الهيئة من مذكرات خطية ومحاضر للملاحظات الشفوية المقدمة من الدولتين المعنيتين.

رابعا
البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

اعتمدت الجمعية العامـة للأمم هذا البرتوكول الاختياري في 16/12/1966، ودخل حيز التنفيذ في 23/3/1976.
أما الدول العربية التي صادقت على هذا البروتوكول، حتى تاريخ 31/5/2004 فهي: الجزائر، الصومال، ليبيا.
نصت المادة 1 من هذا البروتوكول الاختياري على اختصاص اللجنة المعنية بحقوق الإنسان "في استلام ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد الداخلين في ولاية تلك الدولة الطرف والذين يدعون أنهم ضحايا انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في العهد".
وأوضحت، بالإضافة للمادة 1، كل من المواد 2 إلى 6 من البروتوكول آلية النظر في هذه الرسائل. كما نص النظام الداخلي للجنة المعنية بحقوق الإنسان على بعض الإجراءات الخاصة بهذه الآلية. ونستطيع أن نقسم الإجراءات أمام اللجنة المعنية والمتعلقة بالنظر في الرسائل المقدمة بالتطبيق لأحكام البروتوكول الاختياري، إلى مرحلتين:

1 - الإجراءات الشكلية
وهي المرحلة الخاصة بشروط قبول الرسائل من حيث الشكل. وتتلخص هذه الشروط بما يلي:
1) يجب أن تتعلق الشكوى بانتهاك حق من الحقوق التي ينص عليها العهـد.
2) يجب أن يتقدم بالشكوى كتابيا فردا أو أفرادا داخلين في ولاية الدولة الطرف في البروتوكول.
3) يجب أن لا تكون الرسالة المقدمة مجهولة المصدر ولا أن تنطوي على إساءة استعمال حق تقديم الرسائل بمقتضى العهد ولا أن تكون منافية لإحكامه.
4) يتقدم صاحب الشكوى أو من يمثله بشكواه إلى اللجنة. ويمكن لهذه الأخيرة أن تقبل الرسائل المقدمة من أشخاص آخرين إذا تبين بأن ضحية مخالفة أحكام العهد لا يستطيع أن يقدمها بنفسه أو يعين من يقدمها عنه.
5) أن تتم انتهاكات حقوق الإنسان موضوع الرسائل بعد تاريخ دخول البروتوكول الاختياري حيز التنفيذ، وتقبل الرسائل الخاصة بهذه الانتهاكات حتى قبل بدء نفاذ البروتوكول إذا كان مفعولها مستمرا بعد هذا النفاذ.
6) أن يكون صاحب الشكوى قد استنفد كل طرق الطعن الداخلية، إلا إذا كانـت إجراءات هذا الطعن تتجاوز آجالا معقولة.
7) أن لا تكون الرسالة محل نظر من قبل أية هيئة تحقيق أو تسوية دولية.

2 - الإجراءات الموضوعية
تخص هذه الإجراءات مرحلة النظر في أسس الادعاء التي تتضمنها الرسائل، وتجري كما يلي:

1) يلخص الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة الشكاوى التي تصله في قائمة ويحيلها إلى اللجنة المعنيـة.
2) تعرض هذه القائمة على فريق عمل مؤلف من خمسة أعضاء تنتخبهم اللجنة المعنية. ويجتمع هذا الفريق، في جلسة مغلقة، قبل أسبوع من موعد اجتماع اللجنة. ويستطيع أن يطلب من الدولة المشتكى منها أو من صاحب الشكوى بعض المعلومات أو الملاحظات الخطيـة المتعلقة بموضوع قبول الشكوى من حيث الشـكل.
3) تجتمع اللجنة المعنية في جلسة مغلقة ولها وحدها أن تقرر قبول الشكوى أو رفضها شكليا. كما تكون اجتماعاتها مغلقة، بكل ما يخص أحكام البروتوكول.
4) تخطر الدولة المشـتكى منها في حال قبول الشكوى شكليا، ويطلب منها موافاة اللجنة بملاحظاتها بخصوص موضوع الشكوى وذلك في غضون ستة أشهر.
5) تحيل اللجنة الملاحظات التي تصلها من هذه الدولة إلى مقدم الشكوى للتعليق عليها.
6) تتوصل اللجنة بعد دراسة الشكوى إلى رأي خاص تبلغه لكل من الدولة المشتكى منها وإلى صاحب الشكوى، كما يجوز لها قبل أن تتوصل إلى هذا الرأي أن تطلب من هذه الدولة القيام بأي إجراء لتجنب حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه للمشتكي، من دون أن يعني طلبها هذا حسما لموضوع الشكوى.
7) تدرج اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ملخصا للمهام التي أدتها بالتطبيق لأحكام هذا البروتوكول الاختياري وتنشر تقريرها السنوي الذي يقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة. كما أنها ترسل وجهة نظرها ورأيها الذي توصلت إليه بخصوص الشكوى التي عرضت عليها بالتطبيق لأحكام البروتوكول لمن يطلبه. ويوضح هذا الرأي إن كان هناك أم لا مخالفة لأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

خامسا
البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام

اعتمدت الجمعية العامـة للأمم المتحدة هذا البروتوكول الاختياري في 15/12/1989، ودخل هذا البروتوكول حيز التنفيذ في 11/6/1991، ولم تصادق عليه أية دولـة عربية حتى الآن.
نصت المادة 3 من هذا البروتوكول على أن الدول الأطراف فيه تقدم تقارير إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن التدابير التي اتخذتها لوضع أحكـام هذا البروتوكول موضع التنفيذ، وذلك وفقا لما نصت عليه المادة 40 من العهـد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وأتاحت المادة 4 من البروتوكول لهذه اللجنة المعنية أن تستلم وتنظر في الرسائل التي تقدمها دولة طرف فيه، وتدعي بأن دولة طرف أخرى قد أخلت بالتزاماتها، ولكن بشرط أن تكون كلا الدولتين قد قدمتا الإعلان الذي نصت عليه المادة 40 من العهـد المذكور.

سادسا
الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبـة عليها

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها في 30/11/1973، ودخلت حيز التنفيذ في 18/7/1967.
أما الدول العربية التي صادقت على هذه الاتفاقية الدولية، حتى 31/5/2004 فهي: الأردن، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، تونس، الجزائر، السودان، سورية، الصومال، العراق، عُمان، قطر، الكويت، ليبيا، مصر، موريتانيا، واليمن.
نصت المادة 7 من هذه الاتفاقية على أن تتعهد الدول الأطراف فيها بتقديم "تقارير دورية بشأن التدابير التشريعية أو القضائية أو الإدارية أو التدابير الأخرى التي اتخذتها والتي يكون فيها أعمال لأحكام الاتفاقية".
وكلفت الاتفاقية، بمقتضى المادة 9، رئيس لجنة حقوق الإنسان بتعيين "فريق" مهمته النظر في التقارير المقدمة من الدول الأطراف.

1 - تأليف "الفريق الثلاثي"
يتألف هذا الفريق، حسب المادة 9، من ثلاثة أعضاء من لجنة حقوق الإنسان يقوم بتعيينهم رئيس هذه اللجنة من بين ممثلي الدول الأطراف. أما إذا لم يكن من بين أعضاء لجنة حقوق الإنسان ممثلين عن الدول الأطراف، أو كانت تضم أقل من ثلاثة من هؤلاء الممثلين فيعمد عندها "الأمين العام للأمـم المتحدة، بعد التشاور مع جميع الدول الأعضاء في الاتفاقية، إلى تعيين ممثل لدولة طرف أو ممثلين لدول أطراف في الاتفاقية ليست أعضاء في لجنة حقوق الإنسان". ويعمل بهذا الشكل أعضاء الفريق الثلاثي كممثلين عن بلدانهم وليس بصفتهم الشخصية، لا كما هو الحال بالنسبة لبقية اللجان المختصة بتطبيق آليات اتفاقيات حماية حقوق الإنسان.
وقد قام بالفعل رئيس لجنة حقوق الإنسان، وذلك في الدورة الثالثة والثلاثين للجنة والمعقودة في عام 1977، بتعيين أعضاء هذا الفريق من بين أعضاء اللجنة، وقررت اللجنة في قرارها 13 (د-33) تاريخ 11/3/1977، أن يجتمع هذا الفريق لمدة خمسة أيام وذلك إما قبل افتتاح دورة لجنة حقوق الإنسان، وإما بعد ختامها.

2 - اختصاصات "الفريق الثلاثي"
يقوم هذا الفريق بدراسة التقارير التي تقدمها الدول الأطراف في الاتفاقية، والتي توضح ما أُتخذ من مختلف التدابير لوضع أحكـام الاتفاقيـة موضع التنفيذ. ويقوم الفريق في ختام أعماله برفع تقرير إلى لجنة حقوق الإنسان يتضمن ملاحظاته بخصوص التقارير التي تأخرت بالوصول إليه، وكذلك توصياته واقتراحاته بخصوص ما وصله من مختلف التقارير. واعتاد الفريق منذ عام 1978، أن يقدم تقريرا للجمعية العامة للأمم المتحدة، في كل دورة عادية يتعلق بالاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبـة عليها.
سابعا
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في 18/12/1979، ودخلت حيز التنفيذ في 3/9/1981.
أما الدول العربية التي صادقت على هذه الاتفاقية الدولية، حتى 31/5/2004 فهي: الأردن، تونس، جيبوتي، الجزائر، جزر القمر، العراق، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، مصر، واليمن.
خصصت هذه الاتفاقية جزئها الخامس لتحديد آلية وضع أحكامها موضع التنفيذ، وأنشأت لهذا الغرض لجنة تسمى "لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة".

1 - تأليف لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة
كانت تتألف هذه اللجنة، تطبيقا للمادة 17 من الاتفاقية، من 18 خبيرا ، إلا أنه بعد انضمام 35 دولة إليها، أصبحت تتألف من 23 خبيرا يتم اختيارهم، لمدة أربع سنوات، بصفتهم الشخصية من بين مواطني الدول الأطراف في الاتفاقية. ويجب أن يكون هؤلاء الخبراء، حسب الفقرة الأولى من المادة 17: "من ذوي المكانة الخلقية الرفيعة والكفاءة العالية في الميدان الذي تنطبق عليه هذه الاتفاقيـة". كما يراعى عند انتخابهم التوزيع الجغرافي العادل، والذي يسمح "بتمثيل مختلف الأشكال الحضارية وكذلك النظم القانونية الرئيسية". وتجتمع اللجنة في دورة سنوية علنية مرة في نيويورك، ومرة في فينا، وتكون مدتها أسبوعين.

2 - اختصاصات لجنة القضـاء على التمييز ضد المرأة
نصت الفقرة 1 من المادة 18 من الاتفاقية على أن "تتعهد الدول الأطراف بأن تقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تقريرا عما اتخذته من تدابير تشريعية وقضائية وإدارية وغيرها من أجل إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية وعن التقدم المحرز في هذا الصدد". ويجوز أن توضح هذه التقارير العوامل والصعوبات التي تواجه كل دولة طرف وتؤثر على مدى وفائها بالالتزامات التي تضعها على عاتقها أحكام الاتفاقية (المادة 18، الفقرة 2).
وتنظر لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في تقرير كل دولة طرف وذلك في غضون سنة واحدة من بدء نفاذ الاتفاقية في حق هذه الدولة. كما تنظر اللجنة بعد ذلك، في كل تقرير تقدمه دولة طرف، كل أربع سنوات على الأقل، وكلما طلبـت اللجنة منها ذلك (المادة 18، الفقرة 1 (أ، ب)).
ويتضمن التقرير السنوي الذي تقدمه اللجنة عن أعمالها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي ما قدمته من اقتراحات وتوصيات عامة للدول الأطراف وذلك بعد النظر في تقاريرها. ويتضمن تقرير اللجنة أيضا تعليقات هذه الدول إذا وجدت، ويحيل عادة الأمين العام للأمم المتحدة تقارير اللجنة إلى لجنة مركز المرأة للإعلام (المادة 21، الفقرتين 1 و2).

ثامنا
اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في 10/12/1984، ودخلت حيز التنفيذ في 26/6/1987.
أما الدول العربية التي صادقت على هذه الاتفاقية الدولية، حتى 31/5/2004 فهي: الأردن، البحرين، تونـس، الجزائر،الصومال، الكويت، ليبيا، المغرب، مصر، المملكة العربية السـعودية، واليمن.
خصصت هذه الاتفاقية جزئها الثاني، المواد من 17 إلى 24، للبحث في آلية وضع أحكامها موضع التنفيذ. كما أنشأت لجنة تسمى "لجنة مناهضة التعذيب".

1 - تأليف لجنة مناهضة التعذيب
تتألف هذه اللجنة، حسب المادة 17، الفقرة 1، من 10 خبراء يتم انتخابهم، لمدة أربع سنوات، بصفتهم الشخصية من بين مواطني الدول الأطراف في الاتفاقية. ويجب أن يكون الخبراء "على مستوى أخلاقي عال ومشهود لهم بالكفاءة في ميدان حقوق الإنسان". ويراعى في اختيارهم التوزيع الجغرافي العادل.
وأضافت الفقرة 2 من المادة 17 توجيه للدول الأطراف خاص بأعضاء هذه اللجنة، لم نراه في بقية الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان وآلية تطبيقها، ألا وهو "فائدة ترشيح أشخاص يكونون أيضا أعضاء في اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنشأة بمقتضى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ولديهم الاستعداد للعمل في لجنة مناهضة التعذيب".
وتعقد اللجنة عادة دورتين في السنة، ولكن يحق لها عقد دورة استثنائية بقرار تتخذه اللجنة نفسها أو بطلب من أغلبية أعضائها أو من دولة طرف.

2 - اختصاصات لجنة مناهضة التعذيب
نستطيع أن نصنف اختصاصات هذه اللجنة، بمقتضى أحكام الاتفاقية، في أربع زمر:

1) دراسة التقارير التي تقدمها الدول الأطراف في الاتفاقية. أوضحت المادة 16 من الاتفاقية، أن الدول الأطراف فيها تقدم إلى هذه اللجنة، وعن طريق الأمين العام للأمم المتحدة "تقارير عن التدابير التي اتخذتها تنفيذا لتعهداتها بمقتضى هذه الاتفاقية، وذلك في غضون سنة واحدة بعد بدء نفاذ هذه الاتفاقية بالنسبة للدولة الطرف المعنية". وتضيف الفقرة 1 من المادة 19 بأن الدول الأطراف تقدم بعد ذلك "تقارير تكميلية مرة كل أربع سنوات عن أية تدابير جديدة تم اتخاذها، وغير ذلك من التقارير التي قد تطلبها اللجنة". ويحيل الأمين العام للأمم المتحدة هذه التقارير إلى جميع الدول الأطراف في الاتفاقية.
وتبدأ اللجنة، عملا بالفقرة 3 من المادة 19، بالنظر في هذه التقارير، وتبدي تعليقاتها العامة عليها، وتبلغها إلى الدولة الطرف المعنية. ولهذه الدولة أن ترد على هذه التعليقات بما تراه من ملاحظات.
ويجوز للجنة أن تقرر، حسب الفقرة 4 من المادة 19، إدراج أية ملاحظات خاصة بهذه التقارير في تقريرها السنوي الذي ترفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويحق لها أن تورد فيه الملاحظات التي أبدتها الدولة الطرف المعنية.
2) التحقيق في المعلومات التي تصلها عن ممارسة التعذيب في الدول الأطرف. نصت الفقرة 1 من المادة 20 من الاتفاقيـة على أنه "إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقا بها يبدو لها أنها تتضمن دلائل لها أساس قوي تشير إلى أن تعذيبا يمارس على نحو منظم في أراضي دولة طرف، تدعو اللجنة الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات، وتحقيقا لهذه الغاية إلى تقديم ملاحظات بصدد تلك المعلومات". وأوضحت الفقرات من 2 إلى 5 من المادة 20 الإجراءات الخاصة بذلك والتي يمكن تلخيصها كما يلي:
أ - تبدأ اللجنة بدعوة الدولة الطرف المعنية والتي تخصها المعلومات المتعلقة بالتعذيب إلى التعاون معها لدراسة هذه المعلومات.
ب - يحق للجنة، إذا ارتأت ما يبرر ذلك، تعيين عضوا أو أكثر من أعضائها لإجراء تحقيق سري خاص بهذه المعلومات. وتأخذ اللجنة في حسبانها، وفي هذه المرحلة بالذات، ما يمكن أن يكون قد وصلها من ملاحظات من الدولة الطرف المعنية.

ج - تلتمس اللجنة تعاون الدولة الطرف المعنية لإتمام عملية التحقيق التي تمت بصورة مستعجلة وبالاتفاق مع هذه الدولة وتشمل زيارة أراضيها.
د - تحيل اللجنة بعد فحص النتائج التي توصل إليها عضوها أو أعضائها مع أية تعليقات أو ملاحظات مناسبة إلى الدولة الطرف المعنية.
هـ - تتم كل هذه الإجراءات بصورة سرية، وبالتعاون مع الدولة الطرف المعنية. وللجنة أن تقرر إجراء مشاورات مع هذه الدولة، وإدراج بيان موجز عن نتائج هذه الإجراءات في تقريرها السنوي الذي تعّده، وترفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأتاحت الفقرة 1 من المادة 28 من الاتفاقية لكل دولة وقت التوقيع أو التصديق على الاتفاقية أو الانضمام إليها أن لا تعترف باختصاص اللجنة عملا بالمادة 20 المذكورة. وأوضحت دولة تونس مثلا، أثناء توقيعها على هذه الاتفاقية، بأنها تحتفظ بحقها وفي أي وقت لاحق بإجراء تحفظ أو تقديم إعلان خاص بالمادة 20. وذهبت المملكة المغربيـة، كمثال آخر، إلى أبعد من ذلك إذ رفضت أثناء توقيعها على الاتفاقية الاعتراف باختصاص اللجنة بمقتضى المادة 20.
3) تسلم البلاغات المقدمة من دولة طرف ضد دولة طرف أخرى في الاتفاقية والنظر فيها. جاء في الفقرة 1 من المادة 21 من الاتفاقيـة بأنه "لأية دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تعلن، في أي وقت، بموجب هذه المادة، أنها تعترف باختصاص اللجنة في أن تسلم بلاغات تفيد أن دولة طرفا تدعي بأن دولة طرفا أخرى لا تفي بالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقية في أن تنظر في تلك البلاغات". واشترطت الفقرة 2 من المادة 21 قبول خمس دول أطراف في الاتفاقية بالفقرة 1 حتى تمارس اللجنة اختصـاصها بالنظر في هذه البلاغات ودراستها. كما أنه يجوز سحب هذا القبول لاحقا.ولم توافق، حتى 31/5/1999؟، إلا دولتين عربيتين على هذا الاختصـاص، وهما: تونس والجزائر.
أما النظر في البلاغات ودراستها فيمكن تلخيصه، تبعا لأحكام المادة 21، كما يلي:
أ - يجوز لأية دولة طرف أن تقوم، برسالة كتابية، بلفت نظر دولة طرف أخرى لا تقوم بتنفيذ أحكام الاتفاقية، وعلى الدولة الأخيرة أن ترد في غضـون ثلاثة أشهر من تاريخ استلامها لهذه الرسالة، بتقديم تفسير أو أي بيان خطي يوضح ما تم اتخاذه من إجراءات وما هي وسائل الطعن المتاحة أو التي ستُتخذ لمعالجـة الأمر موضوع الرسالة.
ب - إن لم يتم التوصل إلى تسوية ودية بين هاتين الدولتين، يحق لأي منهما، في غضون مهلة ستة أشهر من تاريخ ورود الرسالة الأولى، إحالة الأمر إلى لجنة مناهضة التعذيب بواسطة إخطار موجهـة للجنة وإلى الدولة الطرف الأخرى.
ج - تعقد اللجنة اجتماعات سرية لدراسـة البلاغات التي وصلتها، ولكن لا تبدأ هذه الدراسة إلا بعد التأكد من أن كل طرق الطعن الداخلية قد استنفدت حسب مبادئ القانون الدولي المعترف بها عموما، إلا إذا طال أمد هذه الطرق بصورة غير معقولة.
د - تعرض اللجنة مساعيها الحميدة على الدول الأطراف المعنيـة للتوصل إلى حل ودي للمسألة، ويجوز لها أن تنشئ عند الضرورة لجنة مخصـصة للتوفيق.
هـ - يجوز للجنة أثناء دراستها للمسألة أن تطلب من الدولتين المعنيتين تزويدهما بمعلومات لها علاقة بهذه المسألة. كما يحق لممثلين عن الدول الأطراف المعنية حضور جلسات اللجنة أثناء النظر في المسألة، وأن يتقدموا بمذكرات شفوية أو كتابية أو بكليهما.
و - تقدم أخيرا اللجنة، وفي غضون اثني عشر شهرا من تاريخ استلامها للمسألة، تقريرا يتضمن في حالة التوصل إلى حل ودي بين الدولتين المعنيتين، بيانا موجزا بالوقائع ومضمون الحل الذي تم التوصل إليه. أما إذا لم يتم التوصل إلى هذا الحل فيتضمن التقرير بيانا موجزا بالوقائع مرفق به المذكرات الخطية ومحضرا بالمذكرات الشفوية التي قدمتها الدول الأطراف المعنية، ويُبلغ هذا التقرير إلى هذه الدول.
4) تسلم البلاغات المقدمة إليها من فرد أو مجموعة من الأفراد ودراستها. بينت الفقرة 1 من المادة 22 من الاتفاقية بأنه "يجوز لأية دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تعلن في أي وقت أنها تعترف بمقتضى هذه المادة باختصاص اللجنة في تسلم ودراسة بلاغات واردة من أفراد أو نيابة عن أفراد يخضعون لولايتها القانونية ويدعون أنهم ضحايا لانتهاك دولة طرف أحكام الاتفاقيـة". واشترطت أيضا الفقرة 8 من نفس المادة قبول خمس دول أطراف في الاتفاقية بما جاء في الفقرة 1 حتى تتمكن اللجنة من تسلم البلاغات الفردية ودراستها. كما يجوز سحب هذا القبول لاحقا. وكما بينا آنفا، ولم توافق، حتى 31/5/2004 إلا دولتين عربيتين على هذا الاختصاص، وهما: تونس والجزائر.
وكما هو الحال بالنسبة للإجراءات الخاصة باختصاص اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بدراسة الشكاوى الفردية عملا بإحكـام البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن هناك إجراءات خاصة وشروط يجب أن تلتزم بها لجنة مناهضة التعذيب حتى يجوز لها النظر في البلاغات الفردية، وهي أيضا على نوعين:

أ - الإجراءات الشكلية
1 - يجب أن يتعلق البلاغ بانتهاك حق من الحقوق التي نصت عليها الاتفاقية.
2 - يجب أن يقدم البلاغ كتابيا من فرد أو مجموعة من الأفراد الخاضعين لولاية الدولـة الطرف في الاتفاقية.
3 - يجب أن لا يكون البلاغ مجهول المصدر أو مغفل التوقيع أو أنه يشكل إساءة لحق تقديم مثل هذه البلاغات.
4 - يتقدم صاحب البلاغ أو من ينوب عنه ببلاغه إلى اللجنة. ويحق لهذه الأخيرة أن تقبل البلاغات التي يقدمها أشخاص آخرين إذا تبين أن ضحية مخالفة أحكام الاتفاقية لا يستطيع أن يقدمها بنفسه أو يعين من يقدمها نيابة عنه.
5 - أن يكون صاحب البلاغ قد استنفذ كل طرق الطعن الداخلية، إذا كانت إجراءات هذا الطعن لا تتجاوز آجالا معقولة.
6 - أن لا يكون موضـوع البلاغ قد بُحث أو يجري بحثه أمام أية هيئة تحقيق أو تسوية دولية.

ب - الإجراءات الموضوعية
1 - تعقد اللجنة اجتماعات سرية لدراسة البلاغات التي تصلها بمقتضى المادة 22.
2 - تبعث اللجنة، بعد ذلك، بوجهة نظرها إلى مقدم البلاغ وإلى الدولة الطرف المعنية. وتضمن تقريرها السنوي المرفوع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وجهة نظرها هذه.

تاسعا
لجنة حقوق الطفل

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل في 20/11/1989، ودخلت حيز التنفيذ في 2/9/1990.
أما الدول العربية التي صادقت على هذه الاتفاقية الدولية، حتى 31/5/2004 فهي: الأردن، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، تونس، جيبوتي، الجزائر، جزر القمر، السودان، سورية، الصومال، العراق، عُمان، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، مصر، موريتانيا، المملكة العربية السعودية، واليمن.
بحث الجزء الثاني من الاتفاقية وضع اتفاقية حقوق الطفل موضع التنفيذ. وتم، لهذا الغرض، إنشاء لجنة تسـمى "اللجنـة المعنية بحقوق الطفل".

1 - تأليف اللجنة المعنية بحقوق الطفل
تتألف هذه اللجنة، تطبيقا للمادة 43، من 10 خبراء يتم اختيارهم لمدة أربع سنوات، بصفتهم الشخصية من بين مواطني الدول الأطراف في الاتفاقية. ويجب أن يكونوا من ذوي المكانة الخلقية الرفيعة والكفاءة المعترف بها في مجال حقوق الطفل. كما يراعى في انتخابهم قاعدة التوزيع الجغرافي العادل، وكذلك تمثيل النظم القانونية الرئيسية.
وتعقد اللجنة اجتماعاتها، مرة واحدة في السنة، في مقر الأمم المتحدة، أو في أي مكان آخر مناسب تختاره.

2 - اختصاصات اللجنة المعنية بحقوق الطفل
نصت المادة 44 من الاتفاقية على أن "تتعهد الدول الأطراف بأن تقدم إلى اللجنة، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، تقارير عن التدابير التي اعتمدتها لإنفاذ الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية وعن التقدم المحرز في التمتع بتلك الحقوق".

ويتم تقديم هذه التقارير ودراستها على الشكل التالي:
أ - تقدم كل دولة أصبحت طرفا في الاتفاقية، وذلك في غضون سنة من تاريخ دخولها حيز التنفيذ، تقريرا عن التدابير التي اتخذتها لتطبيق أحكام الاتفاقية. ويتضمن هذا التقرير، حسب الفقرة 3 من المادة 44، ما واجهته هذه الدول من "العوامل والصعوبات التي تؤثر على درجة الوفاء بالالتزامات المتعهد بها بموجب هذه الاتفاقية إن وجدت مثل هذه العوامل والصعوبات".
ب - تقوم هذه الدولة الطرف بعد ذلك بتقديم تقريرها مرة واحدة كل خمس سنوات.
ج - يحق للجنة أن تطلب من الدول الأطراف في الاتفاقية المزيد من المعلومات الإضافية الخاصة بتنفيذ الاتفاقية.
د - تنشر الدول الأطراف في الاتفاقية تقاريرها الخاصة بتطبيق أحكام المادة 44 وتوزعها بشكل واسع على مواطنيها. ويعّد هذا الإجراء خطوة جديدة في سبيل إطلاع رعايا الدول الأطراف في الاتفاقية على ما تم اتخاذه من تدابير من أجل احترام حقوق الطفل ورعايتها. ويدل ذلك أيضا على الأهمية التي توليها منظمة الأمم المتحدة للنشر والتوزيع، وهو ما يعّد من صلب رسالة حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

المطلب الثاني
آليات دولية أخرى اعتمدتها الوكالات المتخصصة

اعتمدت بعض الوكالات المتخصصة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة آليات خاصة بحماية حقوق الإنسان. وقد اخترنا أن نبحث في الدور الذي تلعبه منظمة العمل الدولية كواحدة من هذه الوكالات المتخصصة، وندرس الآليات التي اعتمدها دستورها الذي يعود تاريخه إلى عام 1919 والذي جرى عليه عدة تعديلات كان آخرها في عام 1972 (؟)
تضم منظمة العمل الدولية ثلاثة أجهزة رئيسية تسهر على تنفيذ أحكام دستورها. وهذه الأجهزة هي:
1. المؤتمر العام للمنظمة ، وهو يضم ممثلي الدول الأعضاء فيها. ويعقد هذا المؤتمر اجتماعاته مرة واحدة على الأقل في كل عام.
2. مجلس إدارة المنظمة، وهو يضم 56 عضوا يقسمون على الشكل التالي: 28 عضوا يمثلون حكومات، من بينهم 10 أعضاء يمثلون حكومات البلدان ذات الأهمية الصناعية يقوم بتعيينهم أعضاء المنظمة، و14 عضوا يمثلون أرباب العمل ، و14 عضوا يمثلون العمال في الدول الأعضاء في المنظمة.
3. مكتب العمل الدولي أو الأمانة العامة للمنظمة.

أولا
التقارير السنوية للدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية

تلتزم الدول الأطراف في دستور منظمة العمل الدولية، وذلك بالتطبيق للمادة 22، بتقديم تقارير سنوية إلى مكتب العمل الدولي خاصة بالتدابير التي اتخذتها هذه الدول لتطبيق أحكام الاتفاقيات التي انضمت إليها (14). كما تقدم هذه الدول، تطبيقا للفقرات 5، و6، و7 من المادة 19 من الدستور، تقارير خاصة بالاتفاقيات التي لم تنضم إليها.
وتتم دراسة هذه التقارير من قبل عدة لجان، كما أنها تمر بعدة مراحل من الممكن أن نلخصها كما يلي:

1 - مكتب العمل الدولي
يقوم المدير العام لهذا المكتب بعرض ملخصا عما قدمته الدلو الأعضاء في المنظمة من معلومات وتقارير خاصة بالتزاماتها المنبثقة عن دستورها، وذلك على المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية.

2 - لجنة الخبراء المعنية بتطبيق الاتفاقيات والتوصيات
تتألف هذه اللجنة من عشرين عضوا يتم اختيارهم، لمدة ثلاث سنوات، بصفتهم الشخصية من بين الخبراء المشهود لهم بالكفاءة والاختصاص في مجال قانون العمل والقانون الدولي. ويقوم بتعيينهم مجلس إدارة المنظمة بناء على اقتراح المدير العام لمكتب العمل الدولي، كما يراعى في اختيارهم التوزيع الجغرافي العادل.
تقوم هذه اللجنة بدراسة التقارير التي تقدمها الدول الأعضاء والخاصة بالتزاماتها المنبثقة عن دستور منظمة العمل الدولية والاتفاقيات التي صادقت عليها، ومدى مطابقة تشريعات هذه الدول وإجراءاتها الوطنية لهذا الدستور وتلك الاتفاقيات. كما أنها تطلع على الجريدة الرسمية للدول الأعضاء والمجموعات التشريعية الصادرة فيها (15).
كما تدرس اللجنة تقارير الدول الأعضاء الخاصة بالاتفاقيات التي لم تصدق عليها وتقوم بإجراء دراسية عامة متعلقة بهذه الاتفاقيات والحالات الموجودة في مختلف هذه الدول.
وكانت اللجنة قد اعتادت، اعتمادا على قرار اتخذه مجلس إدارة منظمة العمل الدولية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1976، دراسة التقارير والمعلومات الخاصة بوضع أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية موضع التنفيذ والتي تدخل في نطاق أنشطة منظمة العمل الدولية. واعتادت اللجنة رفع تقاريرها الخاص بهذه الدراسة، بالتطبيق للمادة 18 من العهد المذكور، إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي. أما تقريرها الخاصة بالدول الأعضاء في المنظمة فترفعها إلى لجنة المؤتمر المعنية بتطبيق الاتفاقيات والتوصيات.

3 - لجنة المؤتمر المعنية بتطبيق الاتفاقيات والتوصيات
يختار المؤتمر العام أعضاء هذه اللجنة من بين الممثلين عن حكومات وأرباب عمل وعمال الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية.
وتقوم هذه اللجنة بدراسة التقارير المرفوعة إليها من لجنة الخبراء، كما أنها تدعو حكومات الدول الأعضاء للاشتراك في أعمالها بقصد الحصول على معلومات إضافية لما يمكن أن تكون لجنة الخبراء قد لاحظته من تناقضات في تقارير هذه الدول. كما تستمع لشروح هذه الدول بخصوص التدابير التي اتخذتها بهدف إزالة هذه التناقضات ويجوز لممثلي العمال وأرباب العمل عرض آرائهم بخصوص تطبيق بلدانهم لاتفاقيات العمل. وتقدم اللجنة في ختام أعمالها ومناقشاتها وتقريرها الذي يتضمن الاستنتاجات التي توصلت إليها وما لاحظته من صعوبات تعترض الدلو الأعضاء في وفائها بالتزاماتها المنبثقة عن دستور المنظمة أو عن الاتفاقيات الأخرى، إلى المؤتمر العام الذي ينافي هذا التقرير في جلسة عامة.



ثانيا
الشكاوى المقدمة والإجراءات الخاصة بها

يمكن أن نقسم هذه الشكاوى إلى نوعين:

1 - الشكاوى الخاصة بما نص عليه دستور منظمة العمل الدولية
نصت المواد من 24 إلى 34 من هذا الدستور على إجراءات خاصة لتقديم الدعاوى والشكاوى المتعلقة بعدم تطبيق الدول الأعضاء للالتزامات التي صادقت عليها (16).
أ - أوضحت المادة 24 من دستور المنظمة بأنه يجوز لكل منظمات أصحاب العمل والعمال أن تتقدم بدعوى إلى مكتب العمل الدولي تبين "بأن عضوا ما قد قصر على أي نحو عن تأمين التقيد الفعلي في نطاق ولايته بأية اتفاقية هو عضو فيها". وتعرض مثل هذه الدعاوى على مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، الذي يقوم بتأليف لجنة من أعضائه تتكون من عدد متساو من ممثلي الحكومات وأصحاب العمل والعمال. ويجوز أيضا حسب هذه المادة أن يحيل المجلس هذه الدعوى إلى الحكومة المعنية وأن يدعوها إلى "تقديم الرد الذي تراه مناسبا بشأن الموضوع".
وتبين المادة 25 من الدستور بأنه إذا لم ترد الحكومة المعنية، وفي خلال مهلة معقولة، على هذه الدعوى، أو إذا كان ردها غير مقنع، فإن لمجلس الإدارة "أن ينشر الدعوى ومعها الرد عليها في حالة وجوده".
ب - أعطت الفقرة 1 من المادة 26 من دستور المنظمة الحق لكل عضو بأن يودع لدى مكتب العمل الدولي "شكوى ضد أي عضو آخر إذا كان من رأيه أن هذا الأخير لا يقوم بتأمين التقيد الفعلي بأية اتفاقية صدقها كلاهما طبقا لأحكام المواد السابقة".
كما أجازت الفقرة 4 من المادة 26 من الدستور لمجلس إدارة المنظمة تقديم مثل هذه الشكوى "إما من تلقاء ذاته وإما بناء على شكوى يتلقاها من أحد المندوبين في المؤتمر".
ويجوز لمجلس الإدارة، حين تعرض عليه هذه الشكوى، إحالتها إلى الحكومة المعنية. أما إذا تبين له أن هذا الإجراء غير ضروري أو أن هذه الحكومة لم ترد على الشكوى التي أحالتها إليها في غضون مهلة معقولة، فللمجلس أن يعين لجنة تحقيق للقيام بدراسة شاملة للشكوى وتقديم تقرير بشأنها (الفقرتان 2 و3 من المادة 26 من الدستور).
وتقوم هذه اللجنة، تطبيقا للمادة 28 من الدستور، بالنظر في الشكوى، وتعّد تقريرا يشتمل على النتائج التي توصلت إليها بعد النظر في كل الوقائع المتعلقة بالقضية موضوع الشكوى، كما يتضمن التقرير التوصيات التي تراها مناسبة بخصوص ما يجب أن تتخذه الدولة المعنية من خطوات بقصد رفع أسباب الشكوى والمهلة التي يجب في خلالها اتخاذ مثل هذه الخطوات.
ويعود للحكومات المعنية، حسب ما نصت عليه المادة 29 من الدستور، أن تخطر المدير العام لمكتب العمل الدولي، وفي غضون ثلاثة أشهر، فيما إذا كانت تقبل أو لا بالتوصيات التي جاءت في تقرير لجنة التحقيق، وعما إذا كانت تريد أن تحيل الشكوى إلى محكمة العدل الدولية في حالة عدم قبولها بهذه التوصيات.
ولمحكمة العدل الدولية، كأداة قضائية للأمم المتحدة، وتطبيقا للمادة 32 من دستور المنظمة "أن تثبت أو تعدل أو تلغي أية نتائج أو توصيات تكون قد خلصت إليها لجنة التحقيق". ويكون قرار المحكمة هذا "نهائيا لا يقبل الاستئناف" (المادة 31 من دستور المنظمة).
وتترك أخيرا، المادة 33 من دستور المنظمة، لمجلس إدارة المنظمة الحق بأن يوصي المؤتمر العام بالإجراء الذي يراه حكيما وكفيلا بضمان تنفيذ توصيات لجنة التحقيق أو قرار محكمة العدل الدولية، في حال تخلف أي من الأعضاء، وفي غضون المهلة المحددة، عن تنفيذ هذه التوصيات أو ذاك القرار.

2 - الشكاوى الخاصة بالحرية النقابية
أعتمد مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، في عام 1950، إجراءات خاصة للنظر في الشكاوى التي تقدمها حكومات الدول الأعضاء أو منظمات أصحاب العمل أو العمال والخاصة بالحرية النقابية. ومن الممكن أن تقدم مثل هذه الشكاوى ضد الدول التي صادقت أو لم تصادق على الاتفاقيات الخاصة بالحرية النقابية (17).
أ - تُعرض الشكاوى الخاصة بهذه الحرية، وفي المرحلة الأولى، على لجنة الحرية النقابية التي أنشأها مجلس إدارة المنظمة عام 1951. وهي تتألف من تسعة أعضاء: 3 عن الحكومات الأعضاء، و3 عن منظمة أصحاب العمل، و3 عن منظمات العمال.
تنظر هذه اللجنة في الشكاوى التي تصلها عادة مكتوبة، وكذلك في ملاحظات الدول عليها. وتسعة اللجنة إلى اتخاذ قراراتها بالإجماع. ولا يجوز أن يشترك في مداولاتها، أو أن يكون متواجدا أي ممثل أو مواطن أو مندوب رسمي في منظمة لأرباب العمل أو العمال تكون الشكوى قد قدمت ضد حكومته.
ترفع اللجنة تقاريرها إلى مجلس الإدارة، وتوضح له فيما إذا كان موضوع الشكوى يستدعي المزيد من الدراسة أم لا، مع إيضاح أسباب ذلك. كما يبين التقرير فيما إذا كان من واجب اللجنة أن تبلغ استنتاجاتها أو توصياتها إلى الحكومات المعنية. وتحيل اللجنة، في بعض الحالات الاستثنائية، القضية إلى لجنة تقصي الحقائق والمصالحة المعنية بالحرية النقابية.
ب - يجوز أن تُحال الشكاوى الخاصة بالحرية النقابية، وبعد موافقة الحكومة المعنية، إلى لجنة تقصي الحقائق والمصالحة المعنية بالحرية النقابية. وقد أنشئ هذه اللجنة مجلس إدارة المنظمة عام 1950، بالاتفاق مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وهي تتألف أيضا من تسعة أعضاء يعينهم، بصفتهم الشخصية مجلس الإدارة بناء على اقتراح المدير العام.
وتقوم هذه اللجنة بدراسة الشكاوى المتعلقة بالحرية النقابية، ولكن يشترط قبل ذلك، أن توافق الحكومة المعنية. أما إذا لم توافق هذه الحكومة أو لم ترد، في غضون أربعة أشهر، على دعوة مجلس الإدارة الذي يقرر وجوب دعوتها لإبداء موافقتها، يحق للمجلس أن ينظر فيما سيتخذه في حق هذه الدولة من إجراءات. ويحق أخيرا لهذه اللجنة، وبعد موافقة الحكومة المعنية، أن تنظر في الشكاوى التي تقدم ضد دول غير أعضاء في منظمة العمل الدولية ولكنها أعضاء في الأمم المتحدة، والخاصة بانتهاك هذه الدول للحقوق النقابية.

الخاتمة

إذا أردنا أن نقّيم، في ختام هذا البحث، آليات حماية حقوق الإنسان التي تم اعتمادها في رحاب منظمة الأمم المتحدة، لتبين لنا أن عدة خطوات هامة قد تحققت فعلا على درب حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
لقد بدأت الأمم المتحدة، وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، بتقرير حقوق الإنسان والحريات الأساسية في صلب العديد من الصكوك الدولية. وجاءت الخطوة اللاحقة باعتماد آليات خاصة لحماية هذه الحقوق والحريات، وبالنص على إنشاء هيئات مهمتها متابعة تطبيق الدول الأطراف في هذه الصكوك الدولية للتعهدات الملقاة على عاتقها. كما كلفت المنظمة بعض أجهزتها ووكالاتها المتخصصة بالسهر على احترام الدلو الأعضاء فيها للقرارات والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان.
وتميزت هذه الآليات الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان بالعديد من المميزات، لعل أهمها السماح لفرد أو مجموعة من الأفراد أو المنظمات غير الحكومية، وذلك بعد التحقق من بعض الشروط الأساسية، بتقديم شكاوى ضد الدولة أو الدول التي خالفت أحكام الاتفاقية الدولية التي انضمت إليها، وانتهكت بالتالي الحقوق والحريات المنصوص عليها. وتنظر عادة في مثل هذه الشكاوى لجنة مؤلفة من أعضاء مستقلين يعملون بصفتهم الشخصية ولا يمثلون حكوماتهم، وفي هذا ضمانة أكبر لاحترام الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
على أن ما تفتقر إليه هذه الآليات الدولية، وما يعدّ بنظرنا نقصا أو تأخرا بالقياس لما حققته بعض الآليات الإقليمية الخاصة بحماية حقوق الإنسان وما توصلت إليه، هو الإمكانية التي يمكن أن تتاح لهيئة قضائية دولية لإدانة الدولة أو الدول التي انتهكت حقوق الإنسان والحريات الأساسية اعتمادا على الشكاوى المقدمة ضدها، وبالتالي التهديد بالعقاب الذي قد يصل إلى درجة الطرد من منظمة الأمم المتحدة أو حتى قطع العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الثقافية مع هذه الدولة أو تلك الدول.
ويتمثل أملنا، أخيرا، بضرورة انضمام كل الدول العربية إلى الصكوك الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان، والتصديق على موادها التي تسمح لدولة طرف أو لفرد أو لمجموعة من الأفراد بالتقدم بشكوى ضد الدولة العربية التي تكون قد انتهكت حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.



الهوامــش

(1) أنظر مشاركة الدول العربية والإسلامية في تحضير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أطروحتنا للحصول على دكتوراه دولة بعنوان:
Les apports islamiques au développement du droit international des droits de l’homme, Strasbourg 1987.
(2) أنظر الفصل الرابع والفصل الخامس والفصل العاشر من ميثاق منظمة الأمم المتحدة.
(3) أنظر المادة التاسعة من ميثاق المنظمة.
(4) أنظر المادة العاشرة من ميثاق المنظمة.
(5) أنظر المادة الحادية والستون من ميثاق المنظمة.
(6) أنظر:
J.-B. MARIE, La Commission des droits de l’homme, de l’O.N.U., Pedone, paris, 1975, p.p. 71 et s.
(7) أنظر:
T. BUERGENTAL, International Human Rights in A Nutshell, West Publishing Co, 1988, p. 64.

(8) أنظر:
T. BUERGENTAL, A. KISS, La Protection international des droits de l’homme, N. C. Engel, Kehl, Strasbourg, Aarlington, 1991, p. 46.
(9)المرجع السابق، ص 47.
(10) عنبتاوي، منذر. الإنسان قضية وحقوق (دفاعا عن حقوق الإنسان في الوطن العربي)، المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس، 1991، ص 40 وما بعدها.
(11) أعمال الأمم المتحدة في ميدان حقوق الإنسان. المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1990، ص 24، فقرة 83.
(12) أنظر مشاركة الدول العربية والإسلامية في تحضير الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، في أطروحتنا للحصول على دكتوراه الدولة، مرجع سابق، ص 208 وما بعدها.
(13) أنظر مشاركة الدول العربية والإسلامية في تحضير العهدين الدوليين، في أطروحتنا للحصول على دكتوراه الدولة، مرجع سابق، ص220.
(14) فرديه، جان موريس. التطبيق العالمي للقواعد الدولية للعمل، ترجمة الدكتور محمد أمين الميداني، في: بعض جوانب الحماية الدولية لحقوق الإنسان، المعهد الدولي لحقوق الإنسان، ستراسبورغ، 1990، ص 64.
(15) المرجع السابق، ص 66.
(16) المرجع السابق، ص 69.
(17) المرجع السابق، ص 71.